فصل: قال أبو جعفر النحاس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو جعفر النحاس:

تفسير سورة المائدة:
مدنية وآياتها 120 آية.
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المائدة وهي مدنية روي عن علقمة أنه قال كل ما كان في القرآن {يا أيها الذين أمنوا} فنزل بالمدينة وكل ما كان في القرآن {يا أيها الناس} فنزل بمكة.
1 من ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} قال مجاهد العقود العهود وذلك معروف في اللغة يقال عهدت إليه إذا أمرته بأمر وعقدت عليه وعاقدته بين إذا أمرته واستوثقت منه.
وقيل يراد بالعقود هاهنا الفرائض.
2 ثم قال جل وعز: {أحلت لكم بهيمة الانعام الا ما يتلى عليكم} قال الحسن الانعام الابل والبقر والغنم وروى عوف عن الحسن {بهيمة الانعام} الشاة والبعير والبقرة وروى زهير بن معاوية عن قابوس بن أبي ظبيان قال ذبحنا بقرة فأخذ الغلمان من بطنها ولدا ضخما قد أشعر فشووه ثم أتوا به أبا ظبيان فقال حدثنا عبد الله بن عباس أن هذا بهيمة الانعام قال أبو جعفر الاول أولى لأن بعده {الا ما يتلى عليكم} وليس في الاجنة ما يستثنى وقيل لها بهيمة الانعام لانها أبهمت عن التمييز 3 ثم قال جل وعز: {غير محلي الصيد وأنتم حرم ان الله يحكم ما يريد} واحد الحرم حرام وحرام بمعنى محرم قيل له محرم وحرام لما حرم عليه من النكاح وغيره يقال أحرم إذا دخل في الحرم كما يقال أشتى إذا دخل في الشتاء وأشهر إذا دخل في الشهر.
4 وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} قال أبو عبيدة الشعائر الهدايا الواحدة شعيرة وقال غيره شعيرة بمعنى مشعرة وقال الاصمعي أشعرتها أهل أعلمتها وروى الاسود بن يزيد عن عائشة قالت انما أشعرت ليعلم أنها بدنة وقال مجاهد شعائر الله الصفا والمروة والحرم والمعنى على هذا القول لا تحلوا الصيد في الحرم والتقدير لا تحلوا لانفسكم شعائر الله.
ومن قال بأنها البدن فالآية عنده منسوخة قال الشعبي ليس في المائدة آية منسوخة الا {يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله} وكذلك قال قتادة وقال نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وكانوا قبل قد منعوا من قتالهم في الشهر إذا كانوا آمين البيت الحرام.
5 ثم قال جل وعز: {ولا الشهر الحرام} وهو رجب.
6 ثم قال جل وعز: {ولا الهدي} واحد الهدي هدية.
7 ثم قال جل وعز: {ولا القلائد} قال الضحاك وعطاء كانوا يأخذون من شجر الحرم فلا يقربون إذا رئي عليهم.
8 ثم قال جل وعز: {ولا آمين البيت الحرام} الام القصد.
أي لا تستحلوا منع القاصدين البيت الحرام ويجوز أن يكون المعنى لا تحلوا قصد الآمين ثم حذف.
9 ثم قال جل وعز: {يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا} قال ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يبتغون الاجر والتجارة.
10 ثم قال جل وعز: {وإذا حللتم فاصطادوا} وهذا اباحة بعد حظر وليس بحتم.
11 ثم قال تعالى: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا}
قال أبو عبيدة {ولا يجرمنكم} لا يكسبنكم وأنشد ولقد طعنت أبا عيينه طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا وقال الاخفش ولا يحقنكم وقال الفراء ولا يحملنكم وهذه المعاني متقاربة لأن من حمل رجلا على ابغاض رجل فقد أكسبه ابغاضه حديث فإذا كان الامر كذلك فالذي هو أحسن أن يقال ما قاله ابن عباس وقتادة قالا أي لا يحملنكم شنآن قوم على العدوان.
وقرأ الاعمش {ولا يجرمنكم} بضم الياء قال الكسائي جرم يجرم وأجرم يجرم بمعنى واحد الفتح في هذا أكثر والضم في الجناية أكثر والشنآن الابغاض عند ويقرأ شنئان باسكان النون وليس بالحسن لأن المصادر لا تكاد تكون على فعلان وقرأ أبو عمرو ان صدوكم بكسر الهمزة بمعنى الشرط وروي عن الاعمش أنه قرأ ان يصدوكم وهو لحن عند النحويين لأن ان إذا جزمت لم يتقدم جوابها والمعنى على قراءة من فتح {ولا يجرمنكم شنآن قوم} لأن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا ومن كسر فالمعنى عنده ان فعلوا هذا والمعنى على الغتح لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قتل رجل من أصحابه رجلا من أهل مكة كان يقتل حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية.
12 وقوله جل وعز: {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} يقال ميتة وميتة بمعنى واحد هذا قول من يوثق به من أهل اللغة وقيل الميتة ما لم تمت بعد والميتة التي قد ماتت وروي أنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر ثم يشوونها ويأكلونها فحرم الله جل وعز الدم المسفوح وهو المصبوب.
13 ثم قال جل وعز: {وما أهل لغير الله به} أي ذبح لغير الله وذكر عليه غير اسمه وأصل الاهلال الصوت ومنه سمي الاهلال بالحج وهو الصوت بالتلبية وايجاب الحج ومنه استهلال المولود ومنه أهل الهلال لأن الناس إذا رأوه أومأوا إليه بأصواتهم.
14 ثم قال جل وعز: {المنخنقة} قال قتادة هي التي تموت في خناقها.
15 ثم قال جل وعز: {والموقوذة} قال الضحاك كانوا يأخذون الشاة أو غيرها من البهائم فيضربونها عند آلهتم حتى تموت ثم يأكلونها ويقال وقذه وأقذه لأنه فهو موقوذ وموقذ أخبرنا إذا ضربه حتى يشفى على الهلاك ومنه قيل فلان وقيذ.
16 ثم قال جل وعز: {والمتردية} قال الضحاك المتردية أن تتردى في ركية أو من جبل ويقال تردى إذا سقط ومنه {وما يغني عنه ماله إذا تردى} والنطيحة المنطوحة.
17 ثم قال جل وعز: {وما أكل السبع} أي ما افترسه فأكل بعضه وقرأ الحسن السبع وهو مسكن استثقالا للضمة.
18 ثم قال جل وعز: {الا ما ذكيتم} والتذكية أن تشخب الاوداج دما ويضطرب اضطراب المذبوح وأصل التذكية في اللغة التمام وقال زهير:
يفضله إذا اجتهدا عليه ** تمام السن منه والذكاء

ومنه لفلان ذكاء أي هو تام الفهم وذكيت النار أي أتممت ايقادها وذكيت الذبيحة أتممت ذبحها على ما يجب.
19 ثم قال جل وعز: {وما ذبح على النصب} وقرأ طلحة {على النصب} قال مجاهد هي حجارة كانت حوالي مكة يذبحون عليها وربما استبدلوا منها ويجوز أن يكون جمع نصاب.
20 ثم قال جل وعز: {وأن تستقسموا بالازلام} قال قتادة كان أحدهم إذا أراد أن يخرج كتب على قدح يعني السهم تأمرني بالخروج وعلى الآخر لا تأمرني بالخروج وجعل بينهما سهما منيحا لم يكتب عليه شيئا فيجيلها يا فان خرج الذي عليه تأمرني بالخروج خرج وان خرج الذي عليه لا تأمرني بالخروج لم يخرج وان خرج المنيح رجع فأجالها وانما قيل لهذا الفعل استقسام لانهم كانوا يستقسمون به الرزق وما يريدون كما يقال الاستسقاء في الاستدعاء للسقي ونظير هذا الذي حرمه الله قول المنجم لا تخرج من أجل نجم كذا أو اخرج من أجل نجم كذا وقال جل وعز: {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} قال أبو جعفر وذكر محمد بن جرير أن ابن وكيع حدثهم عن أبيه عن شريك عن أبي حصين عن سعيد بن جبير أن الازلام حصى بيض كانوا يضربون بها قال محمد بن جرير قال لنا سفيان بن وكيع هي الشطرنج.
21 ثم قال جل وعز: {ذلكم فسق} والفسق الخروج أي الخروج من الحلال إلى الحرام وقوله جل وعز: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم} قال ابن عباس {يئس الذين كفروا من دينكم} المعنى يئس الذين كفروا أن تعود الجاهلية وقال ورقاء المعنى لآن يئس الذين كفروا من دينكم.
وهذا معروف عند أهل اللغة كما تقول أنا اليوم قد كبرت عن هذا.
22 وقوله جل وعز: {اليوم أكملت لكم دينكم} روي أن أناسا من اليهود قالوا لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدا فقال عمر رضي لله عنه نزلت في يوم جمعة يوم عرفة وروي عن على رضي الله عنه أنه قال نزلت يوم عرفة أو عشية عرفة وفي معنى الآية قولان أحدهما الآن أكملت لكم دينكم بأن أهلكت عدوكم وأظهرت دينكم على الدين كله كما تقول قد تم لنا ما نريد إذا كفيت عدوك ويجوز أن يكون المعنى اليوم أكملت لكم دينكم فوق ما تحتاجون إليه من الحلال والحرام في أمر دينكم.
وروى اسرائيل عن أبي اسحاق عن أبي ميسرة أنه قال في المائدة ثماني عشرة فريضة ليست في غيرها تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع وما ذبح على النصب والاستقسام بالازلام وتحليل طعام الذين أوتوا الكتاب والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب والجوارح مكلبين وتمام الطهور {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} وقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وقوله تعالى: {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام} ويروى أنها آخر سورة أنزلت.
23 وقوله جل وعز: {فمن اضطر في مخمصة} المخمصة ضمور البطن من الجوع.
24 ثم قال جل وعز: {غير متجانف لاثم} قال قتادة الاثم هاهنا أن تأكل منها فوق الشبع.
25 ثم قال جل وعز: {فان الله غفور رحيم} أي رحمكم فأباح لكم هذه الاشياء عند الضرورة.
26 وقوله عز وجل: {يسئلونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين} وقرأ عبد الله بن مسعود والحسن وأبو رزين {مكلبين} ومعنى مكلبين أصحاب كلاب يقال كلب فهو مكلب وكلاب ويقال أكلب فهو مكلب إذا كثرت عنده الكلاب كما يقال أمشى فهو ممش لو إذا كثرت ماشيته وأنشد الاصمعي:
وكل فتى وان أمشى فأثرى ** ستخلجه يكون عن الدنيا منون

وروي عن أبي رافع أنه قال لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب سألوه ما يحل من هذه الامة التي أمرت بقتلها فنزلت {يسئلونك ماذا أحل لهم} وقرأ إلى آخر الآية والجوارح في اللغة الكواسب يقال ما لفلانة جارح أي كاسب وقال مجاهد في قول الله عز وجل {ويعلم ما جرحتم بالنهار} قال ما كسبتم.